الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»
{لا يَصلاها إلا الأشْقَى} أي الشقّي.{والذي كذّب وتولّى} فيه وجهان:أحدهما: كذّب بكتاب الله وتولّى عن طاعة الله، قاله قتادة.الثاني: كذّب الرسولَ وتولّى عن طاعته.{وما لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمةٍ تُجْزَى * إلا ابتغاءَ وجهِ ربِّه الأَعْلَى} فيه وجهان:أحدهما: وما لأحد عند الله تعالى من نعمة يجازيه بها إلا أن يفعلها ابتغاء وجه ربه فيستحق عليها الجزاء والثواب، قاله قتادة.الثاني: وما لبلال عند أبي بكر حين اشتراه فأعتقه من الرق وخلّصه من العذاب نعمةٌ سلفت جازاه عليها بذلك إلا ابتغاء وجه ربه وعتقه، قاله ابن عباس وابن مسعود {ولَسوفَ يَرْضَى} يحتمل وجهين:أحدهما: يرضى بما أعطيه لسعته.الثاني: يرضى بما أعطيه لقناعته، لأن من قنع بغير عطاء كان أطوع لله.
{ما ودَّعَكَ ربُّكَ وما قَلَى} اختلف في سبب نزولها، فروى الأسود بن قيس عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُمي بحجر في إصبعه فدميت، فقال: قال فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم، فقالت له امرأة يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزل عليه: {ما ودعك ربك وما قلى}. وروى هشام عن عروة عن أبيه قال: أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فجزع لذلك جزعاً شديداً، قالت عائشة: فقال كفار قريش: إنا نرى ربك قد قلاك، مما رأوا من جزعه، فنزلت: {ما ودعك ربك وما قلى}، وروى ابن جريج أن جبريل لبث عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشرة ليلة فقال المشركون: لقد ودع محمداً ربُّه، فنزلت: {ما ودعك ربك وما قلى}.وفي {وَدَّعَك} قراءتان:أحدهما: قراءة الجمهور ودّعك، بالتشديد، ومعناها: ما انقطع الوحي عنك توديعاً لك.والثانية: بالتخفيف، ومعناها: ما تركك إعراضاً عنك.{وما قلى} أي ما أبغضك، قال الأخطل: {ولَلآخرةُ خير لك مِنَ الأُولى} روى ابن عباس قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده، فسُرّ بذلك، فأنزل الله تعالى: {وللآخرة خير لك من الأُولى} الآية.وفي قوله {وللآخرة خير لك من الأولى} وجهان:أحدهما: وللآخرة خير لك مما أعجبك في الدنيا، قاله يحيى بن سلام.الثاني: أن مآلك في مرجعك إلى الله تعالى أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا، قاله ابن شجرة.{ولسوف يُعْطيك ربُّك فَتَرْضَى} يحتمل وجهين:أحدهما: يعطيك من النصر في الدنيا، وما يرضيك من إظهار الدين.الثاني: يعطيك المنزلة في الآخرة، وما يرضيك من الكرامة.{ألمْ يَجِدْك يتيماً فآوَى} واليتيم بموت الأب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أبويه وهو صغير، فكفله جده عبد المطلب، ثم مات فكفله عمه أبو طالب، وفيه وجهان:أحدهما: أنه أراد يتم الأبوة بموت من فقده من أبويه، فعلى هذا في قوله تعالى «فآوى» وجهان:أحدهما: أي جعل لك مأوى لتربيتك، وقيمّاً يحنو عليك ويكفلك وهو أبو طالب بعد موت عبد الله وعبد المطلب، قاله مقاتل.الثاني: أي جعل لك مأوى نفسك، وأغناك عن كفالة أبي طالب، قاله الكلبي.والوجه الثاني: أنه أراد باليتيم الذي لا مثيل له ولا نظير، من قولهم درة يتيمة، إذا لم يكن لها مثيل، فعلى هذا في قوله {فآوى} وجهان:أحدهما: فآواك إلى نفسه واختصك برسالته.الثاني: أن جعلك مأوى الأيتام بعد أن كنت يتيماً، وكفيل الأنام بعد أن كنت مكفولاً، تذكيراً بنعمه عليه، وهو محتمل.{وَوَجَدَكَ ضالاًّ فَهَدَى} فيه تسعة تأويلات:أحدها: وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه، قاله ابن عيسى.الثاني: ووجدك ضالاً عن النبوة فهداك إليها، قاله الطبري.الثالث: ووجد قومك في ضلال فهداك إلى إرشادهم، وهذا معنى قول السدي.الرابع: ووجدك ضالاً عن الهجرة فهداك إليها.الخامس: ووجدك ناسياً فأذكرك، كما قال تعالى: {أن تَضِل إحداهما}.السادس: ووجدك طالباً القبلة فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى الطلب، لأن الضال طالب.السابع: ووجدك متحيراً في بيان من نزل عليك فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى التحير، لأن الضال متحير.الثامن: ووجدك ضائعاً في قومك فهداك إليه، ويكون الضلال بمعنى الضياع، لأن الضال ضائع.التاسع: ووجدك محباً للهداية فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى المحبة، ومنه قوله تعالى: {قالوا تاللَّه إنك لفي ضلالك القديم} أي في محبتك، قال الشاعر: وقرأ الحسن: ووجدَك ضالٌّ فهُدِي، أي وجَدَك الضالُّ فاهتدى بك، {ووجَدَك عائلاً فأَغْنَى} فيه أربعة أوجه:أحدها: وجدك ذا عيال فكفاك، قاله الأخفش، ومنه قول جرير: الثاني: فقيراً فيسَّر لك، قاله الفراء، قال الشاعر: أي متى يفتقر.الثالث: أي وجدك فقيراً من الحُجج والبراهين، فأغناك بها.الرابع: ووجدك العائلُ الفقير فأغناه الله بك، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بصوته الأعلى ثلاث مرات: «يَمُنّ ربي عليّ وهو أهلُ المَنّ»{فأمّا اليتيمَ فلا تَقْهَرْ} فيه خمسة أوجه:أحدها: فلا تحقر، قاله مجاهد.الثاني: فلا تظلم، رواه سفيان.الثالث: فلا تستذل، حكاه ابن سلام.الرابع: فلا تمنعه حقه الذي في يدك، قاله الفراء.الخامس: ما قاله قتادة: كن لليتيم كالأب الرحيم، وهي في قراءة ابن مسعود: فلا تكْهَر، قاله أبو الحجاج: الكهر الزجر.روى أبو عمران الجوني عن أبي هريره أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال: «إن أردت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم وأطْعِم المسكينَ»{وأَمّا السائلَ فلا تَنْهَر} في رده إن منعته، ورُدّه برحمة ولين، قاله قتادة.الثاني: السائل عن الدين فلا تنهره بالغلظة والجفوة، وأجِبْهُ برفق ولين، قاله سفيان.{وأمّا بِنَعْمِة ربِّكَ فحدِّثْ} في هذه النعمة ثلاثة تأويلات:أحدها: النبوة، قاله ابن شجرة، ويكون تأويل قوله فحدث أي ادعُ قومك.الثاني: أنه القرآن، قاله مجاهد، ويكون قوله: فحدث أي فبلّغ أمتك.الثالث: ما أصاب من خير أو شر، قاله الحسن.{فحدث} فيه على هذا وجهان:أحدهما: فحدّث به الثقة من إخوانك، قاله الحسن.الثاني: فحدِّث به نفسك، وندب إلى ذلك ليكون ذِكرها شكراً.
{فإذا فَرَغتَ فانَصَبْ} فيه أربعة تأويلات:أحدها: فإذا فرغت من الفرائض فانصب من قيام الليل، قاله ابن مسعود.الثاني: فإذا فرغت من صلاتك فانصب في دعائك، قاله الضحاك.الثالث: فإذا فرغت من جهادك عدوك فانصب لعبادة ربك، قاله الحسن وقتادة.الرابع: فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك، قاله مجاهد.ويحتمل تأويلاً خامساً: فإذا فرغت من إبلاغ الرسالة فانصب لجهاد عدّوك.{وإلى ربِّكَ فارْغَبْ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: فارغب إليه في دعائك قاله ابن مسعود.الثاني: في معونتك.الثالث: في إخلاص نيتك، قاله مجاهد.ويحتمل رابعاً: فارغب إليه في نصرك على أعدائك.
|